Wednesday, March 4, 2015

نُدبتي

هي ندبة على حاجبي الأيسر. لطالما شغلت بال صديقاتي و يصرخن كلما رأينها:
-"شو عاملي بحاجبك؟"
-"فدغتو"
-"اه مش نزعتي يعني"
-"لأ"
-"طيب عملي تاتو"
-"ما بدّي"
كلمة "ما بدّي" هي الكلمة الأنسب لإنهاء الحديث. لا أريد أن أصحّح حاجبي، هذا إذا افترضنا أن هناك عيب فيه. لا أريد لسببين. الأوّل أنني ضد "التاتو" وضد أي شيء غير طبيعي يمكنه أن يغيّر وجهي. والسبب الثاني أن تلك الندبة هي ذكرى من جدّي.
قصة روتها لي أمي عندما سألتها لأوّل مرة عن سبب الندبة فقالت:
"سكّر جدّك باب السيارة على جبينك بالغلط"
كان جدّي ،ونناديه "جدّو عبد"، يحبني كثيراً. ربما لأنني الحفيدة الأولى. وأنا ما زلت أحبه وصورته لا تفارقني أبداً وأتذكره من خلال كل ما علّمني إياه وكل ما رواه لي وكل ما شجعني عليه.

علّمني جدّي الكلمات المتقاطعة. كان يحبها كثيراً وكانت سلوته الوحيدة. يسرع كل نهار سبت ليشتري العدد الجديد من كل مجلة فيقوم بحلّ الألعاب الصعبة ويترك لي السّهلة.
علّمني كيف أصنع شرابه المفضّل، ليموناضة على طريقة جدّي: "قطْعي الليمون والحامض بقشره، زيدي السّكر وعصري بإديْك."
كان "الموردي" المفضل لديه. يحب لونه وطعمه. شرح لي عن فوائده وأهمية شربه "كرعة وحدي" قبل أن يخسر فيتاميناته.
جعلني أحب البامية: 
-"ليه ما عم تاكلي؟" 
-"ما بحبا جدّو"
-"دقتي"
-"لأ"
-"ايه وكيف بتقرري بلا ما دوقي؟ دوقي!"
ومن يومها لم أرفض البامية وأفرح كلّما حضرتها أمي. لا أعرف إن كان السبب حبي الحقيقي لها أو حبي لجدي.
"النجمة" فريقه المفضل وكان من مؤسّسيه كما كان يقول. وطبعا" فريقي المفضل أيضاً... "مين ما سألك بتقولي نجماوية".
كان "جدّو عبد" بطل سباحة، عرفت ذلك من أمي. "جدك كان بطل وينط عن صخرة الروشة كمان". لكنه لم يتكلم عنها يوماً ربما لأنه أُجبر على التوقف بعد أن أصيبت أذناه.
ولكنه كان يروي لي قصصاً أخرى عنه، وعن حبّه لمصر ولجمال عبد الناصر ولأول مرة تعرف بها على الكُشري: "تخيّلي يا جدي إنّا طلعت بعد كل هل النطرة معكرونة وعدس".
روى لي قصة سيدنا يوسف.
 أما أجمل ما أخبرني به كان عن وعده لأمي بأن يأخذها لتزور مصر: "أنا بدّي آخد إمك على مصر وبدي آخدك معنا. بكرا منرجّع فلسطين و بيفتحو الحدود، ومنروح على مصر بالسيارة".
 رحل جدّي ولم ترجع فلسطين.
لجدي في يومياتي وذاكرتي حصةٌ كبيرة. لكن جميع الأشياء عابرة. إن وُجدت أتذكّره. فالموردي موسمي والليموناضة في رمضان موسميةٌ أيضاً. 
أما  "ندبتي" فهي معي. أبتسم كلما رأيتها. أحبها. فهي ذكرى منه ومن حبه لي واهتمامه بي.
فكيف لي أن أدع "تاتو" سخيف أن يشوّه "ندبتي"؟